ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﻟﯿﺎل أﻓﻀﻞ ﻣﻤﺎ ﻣﻀﻰ، وﻟﮫﺬا ﻛﺎن رﺳﻮلﷲﺻﻠﻰﷲ
ﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ (إذا دﺧﻞ اﻟﻌﺸﺮ ﺷﺪ ﻣﺌﺰره، وأﺣﯿﺎ ﻟﯿﻠﻪ، وأﻳﻘﻆ أھﻠﻪ)
ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﻪ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ رﺿﻲﷲﻋﻨﮫﺎ. وﻓﻲ رواﻳﺔ ﻣﺴﻠﻢ:
(ﻛﺎن ﻳﺠﺘﮫﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺠﺘﮫﺪ ﻓﻲ ﻏﯿﺮه) وھﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ
أھﻤﯿﺔ وﻓﻀﻞ ھﺬه اﻟﻌﺸﺮ ﻣﻦ وﺟﻮه:
أﺣدھﺎ: إﻧﮫ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﻛﺎن إذا دﺧﻠت اﻟﻌﺷر ﺷد اﻟﻣﺋزر، وھذا ﻗﯾل إﻧﮫ ﻛﻧﺎﯾﺔ ﻋن
اﻟﺟد واﻟﺗﺷﻣﯾر ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎدة، وﻗﯾل: ﻛﻧﺎﯾﺔ ﻋن ﺗرك اﻟﻧﺳﺎء واﻻﺷﺗﻐﺎل ﺑﮭن.
وﺛﺎﻧﯾﮭﺎ: أﻧﮫ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﯾﺣﻲ ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻠﯾل ﺑﺎﻟذﻛر واﻟﺻﻼة وﻗراءة اﻟﻘرآن وﺳﺎﺋر
اﻟﻘرﺑﺎت.
وﺛﺎﻟﺛﮭﺎ: أﻧﮫ ﯾوﻗظ أھﻠﮫ ﻓﯾﮭﺎ ﻟﻠﺻﻼة واﻟذﻛر ﺣرﺻﺎً ﻋﻠﻰ اﻏﺗﻧﺎم ھذه اﻷوﻗﺎت اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ.
وراﺑﻌﮭﺎ: أﻧﮫ ﻛﺎن ﯾﺟﺗﮭد ﻓﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﺑﺎدة واﻟطﺎﻋﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﺟﺗﮭد ﻓﯾﻣﺎ ﺳواھﺎ ﻣن ﻟﯾﺎﻟﻲ اﻟﺷﮭر.
وﻋﻠﯿﻪ ﻓﺎﻏﺘﻨﻢ ﺑﻘﯿﺔ ﺷﮫﺮك ﻓﯿﻤﺎ ﻳﻘِّﺮﺑﻚ إﻟﻰ رﺑﻚ، وﺑﺎﻟﺘﺰﱡود ﻵﺧﺮﺗﻚ ﻣﻦ
ﺧﻼل ﻗﯿﺎﻣﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻲ:
1/ اﻟﺣرص ﻋﻠﻰ إﺣﯾﺎء ھذه اﻟﻠﯾﺎﻟﻲ اﻟﻔﺎﺿﻠﺔ ﺑﺎﻟﺻﻼة واﻟذﻛر واﻟﻘراءة وﺳﺎﺋر اﻟﻘرﺑﺎت
واﻟطﺎﻋﺎت، وإﯾﻘﺎظ اﻷھل ﻟﯾﻘوﻣوا ﺑذﻟك ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﯾﻔﻌل.
ﻗﺎل اﻟﺜﻮري: أﺣﺐ إﻟﻲ إذا دﺧﻞ اﻟﻌﺸﺮ اﻷواﺧﺮ أن ﻳﺘﮫﺠﺪ ﺑﺎﻟﻠﯿﻞ وﻳﺠﺘﮫﺪ
ﻓﯿﻪ وُﻳﻨﮫﺾأھﻠﻪ ووﻟﺪه إﻟﻰ اﻟﺼﻼة إن أطﺎﻗﻮا ذﻟﻚ.
وﻟﯿﺤﺮصﻋﻠﻰ أن ﻳﺼﻠﻲ اﻟﻘﯿﺎم ﻣﻊ اﻹﻣﺎم ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮف ﻟﯿﺤﺼﻞ ﻟﻪ
ﻗﯿﺎم ﻟﯿﻠﺔ، ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰﷲﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ: (إﻧﻪ ﻣﻦ ﺻﻠﻰ ﻣﻊ اﻹﻣﺎم
ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮف ﻛﺘﺐ ﻟﻪ ﻗﯿﺎم ﻟﯿﻠﺔ) رواه أھﻞ اﻟﺴﻨﻦ وﻗﺎل اﻟﺘﺮﻣﺬي:
ﺣﺴﻦ ﺻﺤﯿﺢ
2/ اﺟﺗﮭد ﻓﻲ ﺗﺣري ﻟﯾﻠﺔ اﻟﻘدر ﻓﻲ ھذه اﻟﻌﺷر ﻓﻘد ﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ:{َﻟْﯾَﻠُﺔ اْﻟَﻘْدِرَﺧْﯾٌرِﻣْنَأْﻟِف
َﺷْﮭٍر}[اﻟﻘدر:3]. وﻣﻘدارھﺎ ﺑﺎﻟﺳﻧﯾن ﺛﻼث وﺛﻣﺎﻧون ﺳﻧﺔ وأرﺑﻌﺔ أﺷﮭر. ﻗﺎل اﻟﻧﺧﻌﻲ: اﻟﻌﻣل
ﻓﯾﮭﺎ ﺧﯾر ﻣن اﻟﻌﻣل ﻓﻲ أﻟف ﺷﮭر. وﻗﺎل ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم (ﻣن ﻗﺎم ﻟﯾﻠﺔ اﻟﻘدر إﯾﻣﺎﻧﺎً
واﺣﺗﺳﺎﺑﺎً ﻏﻔر ﻣﺎ ﺗﻘدم ﻣن ذﻧﺑﮫ) ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﮫ. وﻗوﻟﮫ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم [إﯾﻣﺎﻧﺎً] أي إﯾﻣﺎﻧﺎً
ﺑﺎͿ وﺗﺻدﯾﻘﺎً ﺑﻣﺎ رﺗب ﻋﻠﻰ ﻗﯾﺎﻣﮭﺎ ﻣن اﻟﺛواب. و[اﺣﺗﺳﺎﺑﺎً] ﻟﻸﺟر واﻟﺛواب وھذه اﻟﻠﯾﻠﺔ ﻓﻲ
اﻟﻌﺷر اﻷواﺧر ﻛﻣﺎ ﻗﺎل اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم (ﺗﺣروا ﻟﯾﻠﺔ اﻟﻘدر ﻓﻲ اﻟﻌﺷر اﻷواﺧر ﻣن
رﻣﺿﺎن) ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﮫ. وھﻲ ﻓﻲ اﻷوﺗﺎر أﻗرب ﻣن اﻷﺷﻔﺎع، ﻟﻘول اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم:
(ﺗﺣروا ﻟﯾﻠﺔ اﻟﻘدر ﻓﻲ اﻟوﺗر ﻣن اﻟﻌﺷر اﻷواﺧر ﻣن رﻣﺿﺎن) رواه اﻟﺑﺧﺎري. وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺳﺑﻊ
اﻷواﺧر أﻗرب، ﻟﻘوﻟﮫ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم: (اﻟﺗﻣﺳوھﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺷر اﻷواﺧر، ﻓﺈن ﺿﻌف أﺣدﻛم
أوﻋﺟز ﻓﻼ ﯾﻐﻠﺑن ﻋﻠﻰ اﻟﺳﺑﻊ اﻟﺑواﻗﻲ) رواه ﻣﺳﻠم. وأﻗرب اﻟﺳﺑﻊ اﻷواﺧر ﻟﯾﻠﺔ ﺳﺑﻊ وﻋﺷرﯾن
ﻟﺣدﯾث أﺑﻲ ﺑن ﻛﻌب رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮫ أﻧﮫ ﻗﺎل: (وﷲ إﻧﻲ ﻷﻋﻠم أي ﻟﯾﻠﺔ ھﻲ اﻟﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ أﻣرﻧﺎ
رﺳول ﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﺑﻘﯾﺎﻣﮭﺎ ھﻲ ﻟﯾﻠﺔ ﺳﺑﻊ وﻋﺷرﯾن) رواه ﻣﺳﻠم.
وھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻻ ﺗﺨﺘﺺﺑﻠﯿﻠﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻋﻮام ﺑﻞ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻓﻲ
اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ ﺗﺒﻌًﺎ ﻟﻤﺸﯿﺌﺔﷲوﺣﻜﻤﺘﻪ.
ﻗﺎل اﻟﻌﻠﻤﺎء: اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ
إﺧﻔﺎء ﻟﯿﻠﺔ اﻟﻘﺪر ﻟﯿﺤﺼﻞ اﻻﺟﺘﮫﺎد ﻓﻲ اﻟﺘﻤﺎﺳﮫﺎ، ﺑﺨﻼف ﻣﺎ ﻟﻮ ﻋﯿﻨﺖ
ﻟﮫﺎ ﻟﯿﻠﺔ ﻻﻗﺘﺼﺮ ﻋﻠﯿﮫﺎ...ا.ھـ وﻋﻠﯿﻪ ﻓﺎﺟﺘﮫﺪ ﻓﻲ ﻗﯿﺎم ھﺬه اﻟﻌﺸﺮ ﺟﻤﯿﻌًﺎ
وﻛﺜﺮة اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻓﯿﮫﺎ وﺳﺘﻈﻔﺮ ﺑﮫﺎ ﻳﻘﯿﻨًﺎ ﺑﺈذنﷲﻋﺰ وﺟﻞ.
واﻷﺟﺮ اﻟﻤﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﯿﺎﻣﮫﺎ ﺣﺎﺻﻞ ﻟﻤﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﮫﺎ وﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ، ﻷن
اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰﷲﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮط اﻟﻌﻠﻢ ﺑﮫﺎ ﻓﻲ ﺣﺼﻮل ھﺬا
اﻷﺟﺮ.
3/ اﺣرص ﻋﻠﻰ اﻻﻋﺗﻛﺎف ﻓﻲ ھذه اﻟﻌﺷر. واﻻﻋﺗﻛﺎف: ﻟزوم اﻟﻣﺳﺟد ﻟﻠﺗﻔرغ ﻟطﺎﻋﺔ ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ.
وھو ﻣن اﻷﻣور اﻟﻣﺷروﻋﺔ. وﻗد ﻓﻌﻠﮫ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم وﻓﻌﻠﮫ أزواﺟﮫ ﻣن ﺑﻌده،
ﻓﻔﻲ اﻟﺻﺣﯾﺣﯾن ﻋن ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲ ﷲ ﻋﻧﮭﺎ ﻗﺎﻟت ﻛﺎن اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم ﯾﻌﺗﻛف
اﻟﻌﺷر اﻷواﺧر ﻣن رﻣﺿﺎن ﺣﺗﻰ ﺗوﻓﺎه ﷲ -ﻋز وﺟل- ﺛم اﻋﺗﻛف أزواﺟﮫ ﻣن ﺑﻌده) وﻟﻣﺎ ﺗرك
اﻻﻋﺗﻛﺎف ﻣرة ﻓﻲ رﻣﺿﺎن اﻋﺗﻛف ﻓﻲ اﻟﻌﺷر اﻷول ﻣن ﺷوال، ﻛﻣﺎ ﻓﻲ ﺣدﯾث ﻋﺎﺋﺷﺔ رﺿﻲواﻷﻓﻀﻞ اﻋﺘﻜﺎف اﻟﻌﺸﺮ ﺟﻤﯿﻌًﺎ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰﷲﻋﻠﯿﻪ وﺳﻠﻢ
ﻳﻔﻌﻞ ﻟﻜﻦ ﻟﻮ اﻋﺘﻜﻒ ﻳﻮﻣًﺎ أو أﻗﻞ أو أﻛﺜﺮ ﺟﺎز. ﻗﺎل ﻓﻲ اﻹﻧﺼﺎف: أﻗﻠﻪ إذا
ﻛﺎن ﺗﻄﻮﻋًﺎ أو ﻧﺬرًا ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻪ ﻣﻌﺘﻜﻔًﺎ ﻻﺑﺜًﺎ. وﻗﺎل ﺳﻤﺎﺣﺔ
اﻟﺸﯿﺦ اﺑﻦ ﺑﺎز رﺣﻤﻪﷲ: وﻟﯿﺲﻟﻮﻗﺘﻪ ﺣﺪ ﻣﺤﺪود ﻓﻲ أﺻﺢ أﻗﻮال
أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ.
وﯾﻧﺑﻐﻲ ﻟﻠﻣﻌﺗﻛف أن ﯾﺷﺗﻐل ﺑﺎﻟذﻛر واﻻﺳﺗﻐﻔﺎر واﻟﻘراءة واﻟﺻﻼة واﻟﻌﺑﺎدة، وأن ﯾﺣﺎﺳب
ﻧﻔﺳﮫ، وﯾﻧظر ﻓﯾﻣﺎ ﻗدم ﻵﺧرﺗﮫ، وأن ﯾﺟﺗﻧب ﻣﺎ ﻻ ﯾﻌﻧﯾﮫ ﻣن ﺣدﯾث اﻟدﻧﯾﺎ، وﯾﻘﻠل ﻣن اﻟﺧﻠطﺔ
ﺑﺎﻟﺧﻠق. ﻗﺎل اﺑن رﺟب: ذھب اﻹﻣﺎم أﺣﻣد إﻟﻰ أن اﻟﻣﻌﺗﻛف ﻻ ﯾﺳﺗﺣب ﻟﮫ ﻣﺧﺎﻟطﺔ اﻟﻧﺎس، ﺣﺗﻰ
وﻻ ﻟﺗﻌﻠﯾم ﻋﻠم وإﻗراء ﻗرآن، ﺑل اﻷﻓﺿل ﻟﮫ اﻻﻧﻔراد ﺑﻧﻔﺳﮫ واﻟﺗﺧﻠﻲ ﺑﻣﻧﺎﺟﺎة رﺑﮫ وذﻛره
ودﻋﺎﺋﮫ، وھذا اﻻﻋﺗﻛﺎف ھو اﻟﺧﻠوة اﻟﺷرﻋﯾﺔ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق